مقدمة إلى الاقتصاد السلوكي – الاستدلال والتحيز (2)

مقدمة إلى الاقتصاد السلوكي - الاستدلال والتحيز

قبل أن نغوص أكثر في مواضيع الاقتصاد السلوكي دعونا نطرح الأسئلة التالية:

لماذا نقوم باتخاذ قرارات وأحكام متحيّزة؟

ولماذا نشعر بأن السيارة التي نقودها أصبحت متوفرة بشدة في السوق بعد شرائنا لها؟

وكيف يمكن أن نقوم بشراء منتج بسعر مرتفع دون أن نشعر بأننا مغلوبين بل حتى نشعر بسعادة بالغة؟

وكيف يمكن أن نقوم بالتسويق لمنتجاتنا ذات السعر المرتفع؟

في المقال الماضي قدمت مقدمة بسيطة عن الاقتصاد السلوكي Behavioral Economics. ولكي نستطيع التعرف إليه بشكل أكبر وإدراك إمكانات استخدامه ضمن العمل والمشاريع أو حتى ضمن حياتنا اليومية، هناك بعض المفاهيم التي لابد من عرضها وفهمها في البداية.

من أهم هذه المفاهيم التي ستواجهنا بشكل متكرر هي الاستدلال والتحيز Heuristics and Biases، والمثال التالي سيشرح الفكرة بشكل أفضل:

لنفترض أنك قمت بشراء سيارة كيا ريو مثلاً.

وبعد شرائها ستلاحظ بأن هذه السيارة متوفرة بكثرة في الشوارع، بل أنك في كل مرة تتجول فيها سترى العديد من السيارات المشابهة، مع العلم بأنك قبل شراء هذه السيارة لم تكن تلاحظ وجودها أصلاً!

لو سألتك قبل شراء هذه السيارة عن النسبة التي تعبر عن عدد سيارات كيا ريو في السوق برأيك، فإنك ستقدم لي نسبة أقل بكثير من النسبة التي ستقدمها لي في حال سألتك السؤال ذاته بعد شرائك للسيارة.

وهذه الحالة تدعى Availability Heuristic أو استدلال التوفر، وهي شكل من أشكال الاستدلال.

لماذا نقوم باتخاذ قرارات وأحكام متحيّزة؟

لو دققنا بعض الشيء في المثال السابق سنرى أن الاستدلال أدى لظهور نوع من التحيز (ليس المقصود هنا تحيز الأشخاص بل التحيز في اتخاذ الأحكام والقرارات بناءً على استدلال خاطئ).

وهذا المثال، فإن الشخص إما سيقوم باقتراح نسبة كبيرة أو صغيرة جواباً على السؤال وذلك حسب إن كان يمتلك السيارة أم لا. وبالطبع فإن النسبة بكلتا الحالتين قد لا تكون صحيحة ومن الممكن أن يكون هناك نسبة ثالثة مختلفة كلياً.

هناك عدة أنواع للاستدلال والتحيز، مثلاً هناك ما يسمى بـ framing effect أو التأطير، حيث يمكن أن نتخذ قراراتنا وأحكامنا حسب طريقة عرض الموضوع أو القضية.

اقرأ أيضاً: ما هو الاقتصاد السلوكي؟

لماذا نقوم بشراء منتج بسعر مرتفع بسعادة بالغة؟

ولندرك كيف يمكن استخدام هذه المعلومات وبعض التقنيات المشابهة في الاقتصاد السلوكي بمشاريعنا ممكن أن نرى المثال التالي:

لنفترض أن هناك مطعم محترم وأنيق وراقي، يقدم أغلى وجبة لديه بـ 150$ مثلاً.

طبعاً أنت كزبون سترى المبلغ باهظاً، لكن لو اطلعت على قائمة الوجبات سترى بأن هناك وجبات وأطباق بأسعار أقل مثلاً قد تصل إلى 50$، وفي هذه الحالة فإنك ستختار الوجبة ذات السعر الأقل.

في هذا المثال، قمت بشراء وجبة بسعر 50$ مع العلم بأن سعرها في أي مطعم عادي ممكن أن يكون مثلاً 10$، لكنك هنا اعتقدت بأنك كسبت.

فأنت أولاً قمت بتوفير 100$ لأنك لم تشترِ الوجبة الأغلى. وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من طلبك للوجبة الأرخص فإنك حققت شعوراً بالرضا كونك دخلت مطعماً راقياً بمعنى أنك أصبحت الآن تنتمي بطريقة أو بأخرى إلى الطبقة الراقية.

في هذه الحالة، فإن المطعم هو الذي حقق المكسب الأكبر. ولو ركزنا بعض الشيء، سنرى بأن هذا المطعم استخدم حيلة سلوكية ليحفّزك على شراء وجبة بسعر غالي، أما بالنسبة للوجبة التي يصل سعرها إلى 150$ فهو غالباً غير مهتم ببيعها بل هي مجرد حيلة لجذب الزبائن.

كيف يمكن أن نقوم بالتسويق لمنتجاتنا ذات السعر المرتفع باستخدام الاقتصاد السلوكي؟

بنفس الطريقة الآن، لو كان لديك متجر وترغب بتسويق منتج بجودة عالية لكن بسعر مرتفع فيمكنك أن تقوم بمقارنته بمنتج ذو سعر أعلى ومن النوع نفسه، حيث سيشعر الزبون هنا بأنه قد حقق مكسباً بعملية الشراء هذه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top